بغداد- حقق العراق خلال العام الماضي (2022) عائدات مالية بأكثر من 115 مليار دولار جراء تصدير النفط الخام، لتكون الأعلى منذ سنوات بحسب الأرقام الرسمية التي أعلنتها وزارة النفط العراقية.
وبحسب تلك الأرقام، فقد بلغ معدّل التصدير اليومي 3 ملايين و320 ألف برميل، وهو ما مجموعه مليار واحد و211 مليونا و800 ألف برميل لعام كامل.
الجزيرة نت سألت عددا من المسؤولين في الحكومة العراقية ومختصين آخرين عن انعكاسات هذه العائدات المالية على الاقتصاد والمواطن، وتأثيرها في حلّ الأزمات الاقتصادية التي يواجهها البلد الذي تعتمد ميزانيته بأكثر من 95% على مبيعات النفط.
أين ذهبت الأموال؟
بشأن ذلك، قال المستشار المالي للحكومة العراقية الدكتور مظهر محمد صالح -للجزيرة نت- إن تلك الإيرادات خضعت لقيدين في التصرفات المالية بسبب غياب قانون الموازنة للعام 2022: الأول من خلال الالتزام بالمادة 13 من قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 المعدل، والتي تقضي بالصرف بنسبة 1/ 12 من إجمالي المصروفات الفعلية المستمرة أو الجارية في الموازنة السابقة المقدرة بنحو 115 تريليون دينار (70 مليار دولار).
والقيد الثاني يعود إلى التخصيصات الواردة في القانون الطارئ للأمن الغذائي والتنمية رقم 2 لسنة 2022، البالغة 25 تريليون دينار (17 مليار دولار)، مما يعني أن إجمالي مصروفات عام 2022 يبلغ 140 تريليون دينار (88 مليار دولار).
ويوضح صالح أن الفائض المالي المتبقي من إيرادات 2022 هو 27 تريليون دينار (18.5 مليار دولار)، وسيكون رصيدا افتتاحيا في موازنة 2023.
استغلال الفائض
من جانبه، يؤكد الأكاديمي الاقتصادي في جامعة بغداد الدكتور علي دعدوش ضرورة استثمار الفائض المالي في تطوير الصناعة والزراعة ودعم البنى الارتكازية للقطاع الخاص الحقيقي، لتشغيل المصانع والمعامل وإنتاج سلع وخدمات محلية الصنع، بالتزامن مع إعادة فرض الضرائب بشكل تدريجي على السلع التي تنتج محليا، بالاتساق مع تفعيل دور الرقابة والحيلولة دون رفع السلع المنتجة محليا وإبقائها ضمن أسعار تساوي أو أقل بهامش من أسعار السلع الأجنبية المنافسة.
وأضاف دعدوش للجزيرة نت أن “جميع ما ذُكر يتحقق من خلال أسلوب موازنة البرامج والأداء مع تأسيس الصندوق السيادي”، الذي يعتبر أنه “الخطوة الأولى نحو تنويع مصادر الاقتصاد العراقي”.
وأشار الأكاديمي إلى أن ذلك يضمن حلحلة عدة مشاكل متجذرة في الاقتصاد العراقي من بطالة وفساد بشقيه المالي والإداري، واختلال الميزان التجاري وتهريب العملة الأجنبية للخارج.
لا انعكاسات اقتصادية
من جهته، يرى الأكاديمي الاقتصادي في جامعة بغداد الدكتور فارس كريم بريهي أن “الارتفاع الكبير للإيرادات النفطية لن ينعكس إيجابا على الاقتصاد العراقي”، وعزا ذلك إلى بقاء الاقتصاد العراقي ريعيا، إضافة لضعف تطبيق الإستراتيجيات الاقتصادية والمالية.
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر بريهي أن الاقتصاد العراقي سيبقى يعاني من الاختلالات الهيكلية وتباطؤ المؤشرات الاقتصادية حتى لو توفرت الإيرادات المالية النفطية نتيجة تزايد مظاهر الفساد وانخفاض الدخل الحقيقي للفرد، خاصة مع تبني سياسة تخفيض سعر صرف الدينار العراقي.
وعلى الجانب الأخر، يرى الخبير الاقتصادي مناف الصائغ أن” تضخم الإيرادات لن ينعكس على حياة المواطن العراقي؛ نتيجة الفوضى السياسية التي هي المسبب الرئيسي للأزمات السابقة والحالية في العراق”.
وأضاف للجزيرة نت أن النظام السياسي في العراق لم يتبن مسارا اقتصاديا متكاملا يحقق النمو والازدهار للعراقيين، من خلال برامج حكيمة وعادلة، بل تحول اقتصاد البلاد إلى “اقتصاد تبعي” للخارج.
وأشار الصائغ إلى الأثر السلبي لعدة ظواهر مثل عمليات تهريب الدولار وغسيل الأموال وإيقاف عجلة البناء والصناعة، مما أدى لتدهور الوضع المعيشي لجميع العراقيين.